*همسات*
فلنفتح مسامع القلب، فما نحن في هذه الحياة الدنيا الآن إلا نسخة، لا الأصل الحقيقي الذي يكون في الآخرة، حيث هناك الحياة.
إن من يذوق أشد ألوان العذاب في هذه الدنيا إنما يكون نسخة؛ لأن كل عذاب الدنيا مجتمعاً لا يساوي شيئاً ولا ذرة من عذاب الآخرة، فعذاب الدنيا إنما يقع على النسخة، وكذلك نعيمها.
كل سعادات الدنيا زائلة، وإن أي فرح في الدنيا إنما هو نسخة مصغرة من فرح الآخرة، لكن فرح الدنيا يزول، فما أضحكك صباحاً قد يبكيك مساء.. أما فرح الآخرة فلا يزول إنما هو باق دائم.
يمشي الملك وحوله حارسه، والوزير وخلفه حاجبه، وشتان بين وزير وبواب أو ملك وجندي!!
في نظر الناس تبدو المسافة بين الوزير والفَرّاش كما بين السماء والأرض، ولكن..
(.. وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا).
قد يكون الفرَّاش والذي يجمع القمامة في درجات عليا عند الله لا يستطيع ملك من ملوك الدنيا وصولها، فالمسافة الحقيقة التي تفصل بين العباد هناك في الآخرة.
التفاوت والتفاضل هناك في الآخرة.
أولك أيها الإنسان..
نطفة نذرة (حقيرة)،
وآخرك جيفة قذرة.
في الدنيا لا يثبت ولا يدوم الحال لأحد، فقد تكون اليوم آمناً صحيحاً غنياً، وتصبح غداً خائفاً
مريضاً محتاجاً..
فلا تنظر لأي شخص مهما علا شأنه وعظمت مكانته في هذه الدنيا الزائلة،
لا تنظر إلى غيرك هنا،
بل انظر إلى نفسك وأين تحط رحالك هناك في الآخرة الباقية.
ولا تظن أن الله قد خلق الجنة وحواليها مصائد،
بل إن أبواب الجنة مفصلة لكي يلجها الجميع.
فما خلق الله أحداً من الناس إلا وخلق له مكانه في الجنة، يريد أن يُدخِله فيها، والله أعطانا منهجاً يمكننا تطبيقه.
والمهم هو أن نعمل لنحافظ على هذا المكان، وأن تكون الهمة والطموح والغاية العظمى أن ندخل جنة الفردوس بغير حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب.
(.. يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ..) ،
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ..)،
فمن رحمة الله تعالى أن جعل باب التوبة مفتوحاً ليلج فيه من أراد النجاة،
(.. وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
الاستغفار حال، لا مقال.
الاستغفار أمر بفعل، لا بقول.
الاستغفار حالة قلبية يسبقها اعتصار وحسرة وشعور بضآلة النفس أمام الذنب.
فكيف أخرج عن طاعة الله بهذا الذنب الحقير؟!
وكيف أدع نفسي أسيرةَ الهوى والمعاصي؟!
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)
ورد اسم الله الغفور في القرآن بألفاظ متغايرة:
"الفغار، الغفور، ذو مغفرة، واسع المغفرة، خير الغافرين، غافر الذنب".
ليعلم المذنب عظيم رحمة الله وأنه واسع المغفرة لمن صدق وتاب وأناب.
إن كل ألفاظ الدنيا تسقط عندما تخرج الروح، حتى الاسم يسقط ويبقى اللقب الأعظم والأسمى والأعلى (*عبد* الله).
هذا المدح والثناء الدائم الذي لا يزول، وهو الباقي الذي لا يغيره كيد كائد ولا حسد حاسد، لأنه من الله الحي القيوم.
إن أسمى المراتب والأوسمة أن تكون عند الله
*(نعم العبد)*
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) سورة الحجر.
*(اعبد ربك)*
٧٤ لفظة في القرآن تأمرنا بالعبادة،
غير الصلاة والصوم والحج والزكاة.
فكل حركاتك القلبية وحالتك النفسية عبادة لله تعالى.
(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
والعاقل من يوظف كل حركة في طاعة الله، فيكون عبداً لله يمشي بـ(افعل)، و(لا تفعل)، فإذا إن قعد، قام، حكم، أكل، شرب، نام، استحم، تنفس، همس، ابتسم، يكون في عبادة.
العبادة سلوك وإقامة حياة.
العبادة في شراء وبيع ودخول وخروج، وكل حركة ونفس نجعله لله رجاء أن نكون مقبولين عنده، رجاء أن يوصلنا إلى مستقر رحمته دون عذاب ولا عتاب ولا سابقة عذاب.
روى البخاري ومسلم قوله ﷺ:
(إِنَّمَا النَّاسُ كَالإِبِلِ المِائَةِ، لاَ تَكَادُ تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً).
الراحلة: هي النَّجِيبَة المُخْتَارَة من الإبل للركوب، فإذا كانت في إبل عُرفت. والمعنى أن مرْضِيَ الدين والخلق من الناس قليل أو نادر، كما أنك قد تجد مائة من الإبل وليس فيها واحدة تصلح للركوب.
تعاملوا مع الله بقدره، أروا الله من أنفسكم خيراً.
إن الخسارة أن يعرفنا أهل الأرض، ويجهلنا أهل السماء.
والنعم تدوم بالحمد والشكر، وهي قول وعمل.
ومن نِعمَ الله علينا أنه آمنا في مكاننا، ولنا حرية الدخول والحضور، وأنه قد اختارنا وحجز لكل منا مكاناً في هذا المكان الطاهر، فلنستحضر مسامع قلوبنا ونستشعر عظيم فضل الله علينا.
إن الذي يقول:
"ما نملك إلا الدعاء" يعتقد أنه يملك القليل!!
إن من ملك الدعاء ملك الكون، فكم من محجوب لا يقدر أن يدعو بكلمة، ومن أُُلهم الدعاء فقد أعطي خيراً كثيراً.
الدنيا نسخة للاختبار، وإن اليوم الآخر قريب أكثر مما نتصور، هل يضمن أحدنا نفسه للحظة تالية؟؟
إن الأجل يقترب مع كل نفس نخرجه، ندنو منه مع كل ثانية تمضي، وسنرجع (فرادى).
كن مع الله مع استشعار قدرته أنه يراك على كل حال، ومن أراد أن يكون جندياً لله، يوقن أنه كلما قُصد بحاجة فإن الله اختاره لها.
(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)،
(.. سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ)،
(.. سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ..)،
(.. سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ ..)،
الكلمة والفعل تُكتب، ويِكتب أثرها،
فقد تهدي أحداً أو تضله،
وقد تؤثر بخير أو شر،
كل ذلك يُكتب...
التكشف في الأعراس،
السلوكيات السيئة،
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
لكل واحد منا طريق له وحده من الأرض للسماء.
أتحبه مزدحماً، بل كثير الازدحام؟
*"على قدر الطلب تأتي المؤونة"*
الصلاة صلة بين النسخة والأصل،
بين عالم الغيب والشهادة،
بين الأرض والسماء.
الصلاة مقابلة، دعاء،
وقوف أمام باب الجنة،
فإما يفتح لك أو...
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا)
إن حال من يُخرج من بيته كمن يُقتل في سبيل الله، وما يفعله (إلا قليل منهم) ومن القليل سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، فكان إبراهيم أمة حقق معنى، هي مرتبة عالية لا يدخلها ولا ينالها الكل.
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
إنه سبيل الله المستقيم..
إن سلكناه فنحن في هذه الدنيا في جنة، قبل جنة الآخرة، والدخول لها سهل، فلنحمد الله ولنشكره على تيسير ما أمرنا به من الأوامر التي تسهل على كل أحد منا، والحمد والشكر لله أنه لم يشق علينا فعلها.
ولتَخِف علينا العبادات، ولنزداد حمدًا وشكرًا لربنا، ينبغي أن نلحظ ما نحن فيه من نعم عظيمة، فكم من طريد وشريد ومعذب ومحاصر وممنوع وخائف أن يُظهر عبادته لله.
احمل هم دخول الجنة بلا حساب ولا عتاب ولا سابقة عذاب، وأحسن الدخول إليها، والكل يقوم لاستقبالك، زد قرابتك من الله بوردك،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق